مدينة الملك عبدالله الاقتصادية- حلم ضائع أم فرصة مهدرة؟
المؤلف: محمد الساعد11.01.2025

في عام 2005، بزغت فكرة إنشاء مدينة اقتصادية سعودية جديدة، مستلهمةً من تجربتي الجبيل وينبع الصناعيتين، ولكن برؤية مبتكرة وأسلوب حياة فريد.
تلك كانت "مدينة الملك عبدالله الاقتصادية"، التي احتضنت ميناءً ضخماً، واستنسخت فكرة البيع على الخارطة، مع تطوير الأراضي المجاورة.
كانت الفكرة طموحة وآسرة، تتلاءم مع تلك الحقبة الزمنية، ساعيةً إلى تجاوز القيود التي عانت منها المدن التقليدية، وتقديم نمط حياة أكثر انفتاحًا، ووسائل ترفيه متطورة.
لكن على الرغم من حداثة نشأتها، فقد سقطت المدينة في أخطاء جسيمة، بل يمكن القول إنها تجرعت سماً أودى بها سريرياً حتى يومنا هذا.
المدينة التي زعمت أنها ستكون مختلفة، أحاطت نفسها بأسوار شاهقة وبوابات ضخمة، لتصبح أشبه بقلعة محصنة لا يدخلها إلا قاطنوها ومن ارتضوا بهم، بينما يبقى الآخرون خارج الأسوار، يستأذنون قبل الدخول، وكأننا في زمن العصور الوسطى.
الفكرة التي أريد لها أن تحافظ على تميزها وخصوصيتها، قتلتها تلك الأسوار والبوابات، وعزلتها عن محيطها وفضائها الرحب.
واليوم، وبعد مضي ما يقارب العشرين عاماً، تبدو المدينة الاقتصادية كشبح مدينة يصارع الاندثار، فاقدةً للهوية والطعم واللون والرائحة، فهي ليست كالجبيل وينبع، ولا هي مجمع سكني للأجانب يعيشون فيه بمعزل عن العالم الخارجي، ولا هي مدينة سعودية اعتيادية.
يجدر التنويه إلى أن نموذج المدينة مثير للدهشة، فهي تدار من قبل شركة، ولها ملاك، ولكن ذلك لم ينفعها بل أرهقها، فالشركة عاجزة عن إدارة المدينة، ولم تتركها في الوقت ذاته لمن يستطيع تولي زمام الأمور.
لقد أكد ذلك بما لا يدع مجالاً للشك أن المدن لا تديرها إلا الدول، ولعل من أولى الحلول التي يمكن طرحها، للاستفادة من استثمارات طائلة بلغت عشرات المليارات، هو استعادة المدينة من الشركة وإسناد إدارتها إلى مؤسسات الدولة، وأن تصبح محافظة تابعة لمنطقة مكة المكرمة، مع هدم أسوارها الخانقة وإزالة الأبواب التي أسرتها.
فالمدينة والحق يقال تمتلك إمكانات جبارة، وموقعاً استراتيجياً فريداً وميناءً حيوياً، وبنية تحتية متينة، وأحياءً سكنية فاخرة، كما تحتضن كلية الأمير محمد بن سلمان ذات الصيت العلمي الرفيع، و"مارينا" ومدينة صناعية داعمة، ومركزاً متميزاً للمؤتمرات والمعارض، كل هذه المقومات قادرة على إحياء المدينة من سباتها العميق.
كما أن تحقيق المصالحة بين سكان المدينة المتضررين وإدارتها (الحالية) أمر في غاية الأهمية، فالعديد من السكان هجروا المدينة، ومن لم يفعل ذلك فهو في طريقه إلى ذلك، فضلاً عن أن الملاك يشتكي بعضهم من تجاهل ملاحظاتهم ومطالبهم، مع إجبارهم على دفع رسوم خدمات باهظة، خاصة في الأحياء غير المأهولة.
الصيغة التعاقدية التي قامت عليها فكرة المدينة قد تلاشت، فهي لم تعد تقدم نمط حياة مختلفاً ولا نموذجاً فريداً، بل إن المدن والمحافظات وحتى القرى السعودية الأخرى قد تفوقت عليها من حيث جودة الحياة والانفتاح.
إن إعادة النظر في العلاقة التعاقدية بين المدينة وسكانها يجب أن تحاكي المدن الأخرى، فالنموذج الحالي هجين وغير مجد، فلا الأسوار العالية والبوابات الضخمة ذات جدوى، ولا التشبث بالنموذج القديم له أي فائدة.
كما أن المدينة الاقتصادية مؤهلة لتكون مركزاً تعليمياً وصحياً وترفيهياً عالمياً، وتوظيف إمكاناتها الكامنة سيعيد إليها بريقها المفقود.
تلك كانت "مدينة الملك عبدالله الاقتصادية"، التي احتضنت ميناءً ضخماً، واستنسخت فكرة البيع على الخارطة، مع تطوير الأراضي المجاورة.
كانت الفكرة طموحة وآسرة، تتلاءم مع تلك الحقبة الزمنية، ساعيةً إلى تجاوز القيود التي عانت منها المدن التقليدية، وتقديم نمط حياة أكثر انفتاحًا، ووسائل ترفيه متطورة.
لكن على الرغم من حداثة نشأتها، فقد سقطت المدينة في أخطاء جسيمة، بل يمكن القول إنها تجرعت سماً أودى بها سريرياً حتى يومنا هذا.
المدينة التي زعمت أنها ستكون مختلفة، أحاطت نفسها بأسوار شاهقة وبوابات ضخمة، لتصبح أشبه بقلعة محصنة لا يدخلها إلا قاطنوها ومن ارتضوا بهم، بينما يبقى الآخرون خارج الأسوار، يستأذنون قبل الدخول، وكأننا في زمن العصور الوسطى.
الفكرة التي أريد لها أن تحافظ على تميزها وخصوصيتها، قتلتها تلك الأسوار والبوابات، وعزلتها عن محيطها وفضائها الرحب.
واليوم، وبعد مضي ما يقارب العشرين عاماً، تبدو المدينة الاقتصادية كشبح مدينة يصارع الاندثار، فاقدةً للهوية والطعم واللون والرائحة، فهي ليست كالجبيل وينبع، ولا هي مجمع سكني للأجانب يعيشون فيه بمعزل عن العالم الخارجي، ولا هي مدينة سعودية اعتيادية.
يجدر التنويه إلى أن نموذج المدينة مثير للدهشة، فهي تدار من قبل شركة، ولها ملاك، ولكن ذلك لم ينفعها بل أرهقها، فالشركة عاجزة عن إدارة المدينة، ولم تتركها في الوقت ذاته لمن يستطيع تولي زمام الأمور.
لقد أكد ذلك بما لا يدع مجالاً للشك أن المدن لا تديرها إلا الدول، ولعل من أولى الحلول التي يمكن طرحها، للاستفادة من استثمارات طائلة بلغت عشرات المليارات، هو استعادة المدينة من الشركة وإسناد إدارتها إلى مؤسسات الدولة، وأن تصبح محافظة تابعة لمنطقة مكة المكرمة، مع هدم أسوارها الخانقة وإزالة الأبواب التي أسرتها.
فالمدينة والحق يقال تمتلك إمكانات جبارة، وموقعاً استراتيجياً فريداً وميناءً حيوياً، وبنية تحتية متينة، وأحياءً سكنية فاخرة، كما تحتضن كلية الأمير محمد بن سلمان ذات الصيت العلمي الرفيع، و"مارينا" ومدينة صناعية داعمة، ومركزاً متميزاً للمؤتمرات والمعارض، كل هذه المقومات قادرة على إحياء المدينة من سباتها العميق.
كما أن تحقيق المصالحة بين سكان المدينة المتضررين وإدارتها (الحالية) أمر في غاية الأهمية، فالعديد من السكان هجروا المدينة، ومن لم يفعل ذلك فهو في طريقه إلى ذلك، فضلاً عن أن الملاك يشتكي بعضهم من تجاهل ملاحظاتهم ومطالبهم، مع إجبارهم على دفع رسوم خدمات باهظة، خاصة في الأحياء غير المأهولة.
الصيغة التعاقدية التي قامت عليها فكرة المدينة قد تلاشت، فهي لم تعد تقدم نمط حياة مختلفاً ولا نموذجاً فريداً، بل إن المدن والمحافظات وحتى القرى السعودية الأخرى قد تفوقت عليها من حيث جودة الحياة والانفتاح.
إن إعادة النظر في العلاقة التعاقدية بين المدينة وسكانها يجب أن تحاكي المدن الأخرى، فالنموذج الحالي هجين وغير مجد، فلا الأسوار العالية والبوابات الضخمة ذات جدوى، ولا التشبث بالنموذج القديم له أي فائدة.
كما أن المدينة الاقتصادية مؤهلة لتكون مركزاً تعليمياً وصحياً وترفيهياً عالمياً، وتوظيف إمكاناتها الكامنة سيعيد إليها بريقها المفقود.
